الأربعاء 27 نوفمبر 2024

رحله آثام

انت في الصفحة 23 من 79 صفحات

موقع أيام نيوز


لتنهض من جلستها غير المريحة تأوهت في صوت خفيض واستقامت واقفة ثم جففت كفيها المبتلين بالماء والصابون في جانبي ثوبها المنزلي قبل أن تشد طرفه المثني للأسفل سارت بتعجل تجاه باب البيت فتحته وخرجت منها شهقة متوترة عندما أبصرت رجلا واقفا قبالته بزي الشرطة الرسمي في حركة لا إرادية منها لطمت على صدرها هاتفة

يا ساتر يا رب! خير يا شاويش
شملها فرد الشرطة بنظرته الفاحصة موجها سؤالا رسميا لها
ده بيت فردوس شحاته
دق قلبها بقوة وراح الخۏف يختلج أوصالها كغزو يجتاح ما يعترض طريقه بغتة بلعت ريقها وردت بوجه راحت الډماء تفر منه في الحال
أيوه دي أنا 
فتح الدفتر الذي أتى به ودون بقلمه الحبر شيئا في أحد أوراقه ثم أمرها بلهجة جافة ولا تزال رسمية
اتفضلي استلمي الإعلان ده ووقعي هنا 
نظرت إلى الورقة التي يبرزها أمام عينيها متسائلة بتحير قلق ودبيب قلبها آخذ في التصاعد
إعلان إيه
بنظرة
سريعة لفحوى مضمون الورقة أجابها ودون أدنى تعاطف معها
طلاق غيابي 
تلقت كلماته الموجزة كالصاعقة على رأسها فاتسعت عيناها في محجريهما واستطال وجهها في صدمة متضاعفة لتلطم بعدئذ على خديها بقسۏة وهي تصرخ في قهر عظيم
يا نصيبتي!!!!
محاولة التغلب على ما يؤرق مضطجعك ليس بالأمر
الهين على الإطلاق فقد يجعل الحصول على قسط وافر من النوم أمرا مستبعدا ناهيك عن إرهاق العقل بالكثير والمزيد من الأفكار التحليلية المهلكة للأعصاب شعر مهاب بالصداع يفتك برأسه منذ لحظة استيقاظه قاومه قدر المستطاع لكنه تمكن منه فبحث عن دواء مسكن ليتمكن من التماسك طوال الساعة المتبقية من أول أيام ذلك المؤتمر الكئيب لكنه لم يجد لم ينكر أن سيلا من الذكريات المزعجة هاجمه وهو يستحضر كيف أمضى شبيه ذلك بصحبة تهاني متوقعا أنه يجرها إلى شباكه المحكمة لتعطيه نفحة من نعيمها الأنثوي واليوم تعمق بداخله ذاك الشعور المرفوض قطعيا بالهزيمة كاد يجن ويخرج عن طور الرزانة المعروف به في محفل الأطباء تماسك حتى الرمق الأخير وتلقى الجائزة التقديرية بملامح جليدية يخفي خلفها البركان الثائر في دواخله امتدت يده لمصافحة أحد كبار الأطباء والمسئول عن إقامة هذا المحفل ليخاطبه في امتنان
أشكرك للغاية على هذا التكريم 
بادله الطبيب المصافحة وقال في إعجاب
أنت مثال رائع للطبيب المثابر 
ضحك بتصنع وعلق وهو يربت بيده الأخرى على جانب ذراعه
أنت تبالغ عزيزي 
استعاد الطبيب يده وأبدى تفاخره به مرددا
تستحق دوما الأفضل 
أنهى معه الحوار بلباقة وانتقل للحديث مع آخر لعدة دقائق كان مهاب على وشك المغادرة تماما لولا أن استوقفه هذا الصوت الناعم الذي يعرفه جيدا فاتجه دون إعادة تفكير إلى صاحبته ليحييها بودية غريبة
الجميلة ديبرا!
التفتت إليه الأخيرة لتنظر إليه بجبين مقطب ونظرات متشككة وضعت بشفتيها ابتسامة متكلفة قبل أن تقول برسمية تامة
أهلا بك دكتور مهاب 
لم تمد يدها لمصافحته ولم تحاول حتى تقبيله بحرارة في وجنته كانت متباعدة كليا عنه فاستنكر جفائها وعاتبها بنظرة لعوب
لما كل ذلك التحفظ معي!
أولته ظهرها تأهبت حواسه عندما أجابته بنبرة جافة يشوبها القليل من الاتهام 
لئلا أزعجك صديقتك ألم تقل لي ذلك أم أنك تريد إغضابها
ثم استدارت مرة واحدة تجاهه لتجد عينيه معلقتين بها فابتسمت في تشف وسألته في خبث وقح كأنما تتعمد إحراجه بشكل يلمح بالإهانة
بالمناسبة أين هي أم أنك أثبت عدم جدارتك معها
غلت الډماء في عروقه حنقا منها ورغم هذا حافظ على ابتسامته المنمقة وهو يجيبها بهدوء مريب
لقد انفصلت عنها!
رفعت حاجبها للأعلى وهتفت في ذهول
لا أصدق! كيف حدث ذلك
اشتدت تعابير وجهه وأخبرها وهو يحاول جاهدا نفض كل ما يخص تهاني من ذكريات
لا يهم كفانا حديثا عنها وهيا بنا لنا لقاء مميز 
تبسمت وسألته بعبثية ظاهرة في نظرتها إليه
إلى أين
مال على أذنها ليهمس لها بشيء من المكر
سأعوضك عن تلك الليلة الكئيبة 
قوست فمها قائلة في تشوق
أوه عزيزي أنا آ 
قاطعها بإصرار وهو يداعب جانبها بأصابع يده
لن أقبل بالرفض!
وضعت يدها على كفه تتحسسه وقالت في ميوعة
حسنا أنا طوعك سيدي 
شعرت ديبرا بقبضتي مهاب تمسكان بها من معصميها سألته بنبرة ثقيلة
عزيزي ماذا تفعل
أجابها بغموض مخيف
سنمرح قليلا كما تعرفين 
خاطبها بلهجته العربية ووجهه يكاد يفح ڼارا
مش أنا اللي واحدة تتريق عليا 
تعذر عليها استيعاب مقصده بهذه اللغة فرددت في تحير
لا أفهم ما تقول 
كادت تفوه بشيء آخر لكن صوتها تحول لأنين مع هذه الصڤعة القوية التي تلقتها بغتة بشيء بدا وكأنه جلد قاسې الملمس حاولت النظر إليه لترى ما في يده فوجدته قد استل حزامه ليؤنبها به تقوست بظهرها وتساءلت في لهاث مازح
أستقوم بتأديب تلميذتك
أعطاها أخرى أشد قوة فصړخت من الألم الحقيقي ليخبرها بعدها بنبرة أقرب للفحيح وهذه الابتسامة المتلونة تبرز في وجهه 
بالطبع سألقنك درسا لن تنسيه!
لم يترك مهاب جزءا اڼتقاما من سخريتها السابقة توقف عندما التهب جلدها وأصبح مكدوما ببقع
لن تختفي آثارها إلا بمرور عدة أيام وباستخدام الملطفات الدوائية جلس مجاورا لها دون أن يحل قيدها فرفع وجهها إليه من طرف ذقنها تأمل اشتعال بشړة وجهها جراء كم الډماء الساخنة المتدفقة التي اجتمعت فيها توسلته لتركها وفك قيدها فما كان منه إلا أن مال عليها ليخبرها بهمس
لم ننته بعد! 
كمم فمها ليزيد من إذلالها وإھانتها بما ظن أنها الطريقة المناسبة للتعامل مع واحدة مثلها وحاز في النهاية على شعوره بالسيطرة المزعومة بطريقته الملتوية نهض من الفراش متجها لخارج غرفة النوم الملحقة بجناحه الفندقي سار إلى حيث ينتظره ممدوح بالردهة طالعه بهذه النظرة المتعالية وهو يضع يديه في جيبي بنطاله ليخبره بعجرفة وكأنه يمن عليه بفضلة خيره
مابقتش تلزمني خدها 
فجاجة كلماته ونظراته المهينة لم تمنعه من إظهار هذه البسمة المتسعة على محياه كاتما في صدره إحساسه بالغل الحاقد تجاهه ببرود محكم قام واقفا وشمر عن كميه قائلا بترحيب شديد
أنا جاهز ليها 
لم يتم جملته عن عمد إلى أن وقف في مواجهته فتابع عن نبرة موحية وهو يركز عليه بنظرة قوية نافذة
أو لغيرها حتى لو طارت من القفص!
تركه ممدوح واقفا في مكانه واتجه إلى الغرفة ليهتف مهاب من بين شفتيه بصوت خفيض وأقرب للوعيد
اللعبة لسه مخلصتش !!
يتبع الفصل الحادي عشر
الفصل الحادي عشر 
ورقة رسمية
عقصت حول رأسها رباطة قماشية من اللون الأسود تماشت مع ما تلفحت به من عباءة منزلية مماثلة وكأنها لبست الحداد على رحيل أحدهم ظلت منزوية في غرفتها تبكي ليل نهار حتى جفت دموعها ولم يبق لها إلا تجرع الألم. نظرت لها عقيلة بإشفاق وهي تقف عند عتبة الباب ومع ذلك لم تقو على مؤازرتها بالطيب من الكلام فقد كانت مثلها متحسرة على مصابها والأسوأ من ذلك شعورها بالخزي والعاړ لكون ابنتها لن تسلم من الألسن الشامتة أو الشائعات الحاقدة وإن كانت غير مذنبة على الإطلاق فما أسهل إلقاء التهم الباطلة على الغير دون تحري صدقها!
اتجهت إلى باب البيت عندما سمعت الدقات عليه زفرت الهواء الثقيل من رئتيها وهي تفتحه لتنظر إلى شقيقتها التي جاءت لزيارتها. سألتها الأخيرة دون استهلال
دوسة عاملة إيه
أغلقت الباب بعدما ولجت للداخل وأجابتها بنبرة مهمومة للغاية
زي ما هي.
استقرت أفكار على الأريكة وراحت تهز جسدها يمينا ويسارا وهي شبه تنوح
كبدي عليها لا لحقت تفرح ولا تتهنى!
شاركتها عقيلة نفس الندب مرددة وهي ټضرب على فخذيها
يا ريتنا ما كنا استعجلنا ولا كتبنا الكتاب!!
ثم ركزت عينيها المنتفختين من كثرة البكاء على شقيقتها الكبرى وتابعت في صوت مټألم
نابها إيه من الجوازة دي غير إنها بقت متطلقة!!!
لم تنبس أفكار بكلمة في حين واصلت الشقيقة الصغرى كلامها والذي اتخذ طابعا مهددا
أنا مش هسكت حق بنتي مش هسيبه!
دون تفكير وافقتها الرأي وصاحت تؤيدها بشدة
وأنا معاكي.
عاد التحير ليسيطر على قسمات وجه عقيلة وأفصحت عن ذلك بسؤالها
بس هنعمل إيه
بعد لحظات من الاستغراق في التفكير أجابتها بتصميم معاند
احنا نطب على أخوه هو لازما يتصرف مش هنسيبه غير لما تاخد كل حقوقها هي مش سايبة!!
ظل شاردا صامتا غير مكترث بالمشاركة في أي شيء يخص المؤتمر الذي من المفترض أن يكون أحد محاضريه الرئيسيين انعزل بنفسه عن نفسه وكأنه قد انفصل ذهنيا عن العالم المحيط به حتى أنه اختار المكوث

بعيدا عن الصفوف الأمامية ليحظى بنوع من الخصوصية لعل وعسى يتمكن من فك الأحجية التي حيرته كثيرا وجعلته شبه فاقد للتركيز فيما يفعل. كذلك ليلة الأمس الجامحة لم تمنحه ما طمح في الشعور به من الاكتفاء والرضا بل جعلته يزداد رغبة وتلهفا في الحصول على هذه الطريدة الهاربة بالتحديد والإيقاع بها مهما تكلف الأمر فأنى له أن يقبل بالخسارة هكذا ببساطة!
قبل أن تنتهي واستل أخرى من علبته الفضية ليشعلها سحب دخانها ببطء ولفظه على مهل وعيناه توحيان بتفكيره العميق والمستمر. حين انضم إليه ممدوح تجاهله تماما واقتضب في الحديث معه كأنه غير موجود المرة إلى أن أنار عقله فجأة بفكرة عجيبة كان قد غفل عنها آنئذ تحفز في جلسته بشكل يدعو للحيرة وراح يجمع متعلقاته الشخصية في تعجل وهو يردد لنفسه مندهشا 
إزاي كانت تايهة عني!
تطلع إليه ممدوح باستغراب فقبل لحظات كان يتصرف كالأصنام لا صوت له ولا حركة والآن النشاط ينضح من كل طرف فيه سلط بصره عليه وخاطبه في جدية طفيفة محاولا فهم ما يدور في رأسه
حصل إيه إنت مش معايا من بدري ودلوقتي إيه اللي اتغير!! 
نظر له بطرف عينه بهذه النظرة المزهوة كأنه غير مهتم بأي شيء من الأساس وقال مؤكدا
مش فارق.
تعجب أكثر من طريقته الغامضة وتضاعف لديه شعوره بالغرابة وهو يراه ينهض من موضع جلوسه استعدادا لذهابه لم يتركه لشأنه وسأله مستفهما بفضول
رايح فين
لوح له
بذراعه يودعه
هكلمك بعدين سلام.
زم شفتيه مبديا المزيد من الدهشة لانصرافه المريب سرعان ما تقوستا وتحولتا لابتسامة لعوبة وديبرا قد أتت لتستقر على مقعد شاغر ملاصق له. سألته وهي تنفض شعرها المسترسل خلف ظهرها
إلى أين هو ذاهب
قائلا في صوت خفيض لكنه عابث وشقي
لا تهتمي به أنا موجود لأجلك عزيزتي.
تأوهت پألم وهي تخبره بنظرة ماكرة
أوه ما زال جسدي يؤلمني.
سأطيب جراحك أنا خبير بذلك!
حسنا.
قالت كلمتها هذه وهي تمنحه بنظرتها الجائعة الإذن لتكرار تلك التجربة المحفوفة بكل ما هو غير اعتيادي فور الانتهاء من فاعليات اليوم لهذا المؤتمر لينال كلاهما متعة برية لا حدود لها.
بعد نصف الساعة من التنقل بين الحافلات المزدحمة بعشرات البشر وصلت الشقيقتان إلى العنوان الذي يحوي مقر عمل عوض سارتا بعدئذ مسافة تقرب العشرة أمتار في طريق كممتد وكل واحدة منهما تمعن النظر فيما حولها كمحاولة لتبين معالم المكان. ابتلعت عقيلة ريقها الجاف وجففت بكم عباءتها العرق المتصبب على جبينها ثم وجهت سؤالها لشقيقتها في صوت شبه منهك
متأكدة إنه شغال هنا
أجابتها أفكار وهي تومئ
 

22  23  24 

انت في الصفحة 23 من 79 صفحات