رحله آثام
هعرفه أول ما يكلمني.
ابتسمت في امتنان شاكر وهي ترد
تسلم وتعيش.
استأذنت بالصعود بعدما وصلت صعدت إلى الأعلى ورأسها يعج بالكثير من الخواطر والهواجس المتصارعة لا تدري لأي منهم ستكون الغلبة لكن ما سيطر عليها واستحوذ على اعتقادها حينئذ هو إحساسها القوي بالغدر والخذلان.
منذ أن عادت عقيلة إلى المنزل وهي على حالتها الساهمة تلك فقدت الشهية لتناول الطعام ولم تحبذ كذلك مشاهدة التلفاز أو حتى الاستماع إلى الراديو ظلت فقط جالسة على المصطبة الخشبية الموجودة في غرفة نومها تستند بيدها على إطار الشباك الموارب ناظرة من الڤرجة الصغيرة إلى سراب لا يراه سواها بدت وكأنها قد اعتزلت في غرفتها جاءت إليها فردوس بعدما بدلت ثيابها سألتها لأكثر من مرة إن كانت تريد شيئا لكنها كانت تجيب بهزة نافية من رأسها أتمت ما نقص من أعمال البيت ثم عادت إليها وجلست مجاورة لها تأملتها بتفرس
إنتي بخير يامه
اعترفت لها بشيء من الشجن
لأ قلبي متوغوش على أختك صوتها مريحنيش.
سألتها مدهوشة وقد تحفز في جلستها
هي طلبتك النهاردة ولا إيه
أجابتها بإيماءة بطيئة من رأسها
أيوه وزادت الهم في قلبي.
التوى ثغرها بنقم وردت وهي تزيح رباطة شعرها لتمشط خصلاتها بيدها قبل أن تجمعهم معا
يامه تهاني جدعة مايتخافش عليها.
بس لواحدها مافيش حد ينصحها.
سكتت ولم تعلق بشيء فإحساس والدتها بالألم راح يغمرها وحينما ينتابها ذلك الشعور الثقيل تكون مهمومة أكثر ترددت لهنيهة في إعلامها بما جرى في بيت عائلة زوجها وما عرفته مصادفة من مسألة التوضيب لسفرها بدلا منها سرحت في همها لبرهة سرعان ما عادت منه عندما سألتها عقيلة بنوع من الاهتمام
في التو عدلت عن رأيها ولم تخبرها بالمهانة التي تلقتها هناك أو حتى ما اكتشفته لم ترغب في إحزانها ولا التسبب في نشوب الخلاف بينهما على أمر يمكن حله. اختبأت خلف بسمة مصطنعة وردت بصوت شبه مضطرب
آ.. أيوه يامه قامت بالواجب وزيادة دي.. فرحت بجيتي أوي.
تفرست في قسماتها بشك ملموس فأكدت عليها فردوس بنفس الابتسامة الزائفة
استغربت من عبارتها تلك وقالت ساخرة
ماشوفتهاش يعني باعتة معاكي حاجة!!!
ادعت كڈبا وقد اهتزت بسمتها
ما أنا مرضتش هو احنا ناقصنا حاجة يامه!
لم تبد مقنعة كليا بتبريرها الضعيف ومع ذلك تجاوزت عقيلة عن هذا الأمر لتقول وهي تسدد لها هذه النظرة العميقة
خير.. ربنا ييسرلك أمورك وتروحي لجوزك خلينا نطمن عليكي إنتي كمان.
قالت جملتها تلك وهي تنهض من جوارها لتفر من نظراتها المتشككة قبل أن تكشف كذبها الواهي ويتطور الوضع لما تخشى حدوثه!
انقضت الليالي العابثة وانتهت السهرات الماجنة وصار الوقت مناسبا ليعود إلى ممارسة عمله فكان أول ما فعله بعد غياب دام لشهر ويزيد هو العودة إلى المشفى الخاص لمقابلة تهاني معتقدا أن اللهفة قد بلغت منها مبلغها بل وجعلت قلبها المرهف يلتاع ويتحرق لرؤياه ما لم يتوقعه هو عدم تواجده بمكتبها رغم معرفته الأكيدة بالتزامها
هي دكتورة تهاني مجاتش النهاردة
أجابته بما صډمه كليا
لأ هي اتنقلت أصلا!
للحظة تدلى فكه السفلي قليلا وردد متسائلا في نبرة ذاهلة
اتنقلت من إمتى ده حصل!!
مطت الطبيبة فمها لبعض الوقت كأنما استغرقت في تفكير سريع قبل أن تجيبه
بيتهيألي من حوالي 3 أسابيع!
لاحقها بسؤاله التالي وهو يحاول أن يجعل نبرته خلالها تبدو عادية
ماتعرفيش السبب
هزت كتفيها معقبة بغير اهتمام
تدريبها خلص هنا وراحت مكان تاني.
ازدرد ريقه وتساءل في حيرة متزايدة
طب هي مقالتش فين المكان ده
هزت رأسها وهي تجاوبه
الصراحة لأ.
شكرا.
غادر الحجرة سائرا في الردهة بغير هدى كان في قمة تحيره وتخبطه فانسحابها الغريب أصابه بنوع من الشك والارتياب انهمك في تفكيره التحليلي للدرجة التي جعلته لا يلاحظ وجود ممدوح وهو ينتظره عند الدرج صاح الأخير مهللا في زهو
ما بتضيعش وقت يا باشا!
أفاق من شروده ونظر إليه قبل أن يزجره بحدة وقد أصبحت ملامحه مكفهرة
في إيه
اندهش لحالته المتعصبة وفطن لحظتها لكونها مرتبطة ب تهاني خاصة أنه رآه عائدا من نفس المكان الذي تمكث به بالمشفى ظن أنها عاملته بجفاء غير مقبول فاستثار غيظا للنيل من غروره لذا استطرد ساخرا منه وهو يبتسم
هي العصفورة نقرتك ولا إيه
رد عليه وهو يوكزه في جانب ذراعه بكتفه ليمر من جواره
لأ يا خفيف دي سابت القفص كله وطارت.
تعلقت نظراته المستغربة به وسأله وهو يتحرك في إثره
قصدك إيه
صعد كلاهما على الدرج ومهاب يتكلم في تبرم
تهاني اتنقلت من هنا.
لم يبد ممدوح مزعوجا مما سمع بل قال مستمتعا
أوبا! ليك حق تضايق!
نظر إليه مهاب من طرف عينه مليا ثم أخبره في تصميم مليء بالتحدي العنيد
ملحوئة أنا عارف هي أعدة فين هاروحلها هناك.
فرك رفيقه كفيه معا كأنما يبدي بذلك تحمسه ليظهر بعدئذ تأييده لقراره في تشجيع واضح
أهوو ده الشغل اللي على حق وأنا معاك فيه.
أدرك مهاب وهو يقود سيارته تجاه منطقتها المقيمة بها أن لعبة صيد الطريدة الغاشمة مع
رفيقه اتخذت منعطفا حساسا للغاية بعد اختفائها عن محط أنظارهما فهي ليست مثل باقي التحديات الفارغة والمعروف نهايتها مسبقا بل بدت مستعصية على كليهما إلى حد ما وهذا ما أضفى على صراعهما نوعا من التشويق والإثارة على عكس باقي الساذجات المستسلمات لإغراء المال أو إغواء الحب لذا إن استسلم في لحظة وتراجع حتما سينقض ممدوح عليها ليظفر بالجائزة الكبرى وهو لم يعتد الخسارة مطلقا في مواجهته!
تركه ينتظره بسيارته بعدما اتفق معه على ذلك وصعد بمفرده للبناية التي تسكن بها. قرع الجرس وانتظر بصبر فارغ فتح الباب له تأهب في وقفته وضبط رابطة عنقه متوقعا أن تستقبله هي لكنه تفاجأ بأخرى غريبة تحدجه بنظرة متجهمة وهي تسأله
إنت مين
بهت ملامحه قليلا وأمعن النظر فيها لهنيهة بتحير تراءى إلى ذهنه أنها ربما تكون شريكتها في السكن فسألها في لباقة وهو يعاود وضع هذه الابتسامة الرقيقة على ثغره
دكتورة تهاني موجودة
قوست فمها في غرابة قبل أن ترد عليه متسائلة بحاجب مرفوع للأعلى في تعجب
تهاني مين دي
اندهش مجددا لطريقتها وأخبرها في جدية
دي دكتورة ساكنة هنا.
ردت عليه بعدم مبالاة
أنا معرفهاش بصراحة.
سيطر عليه الوجوم مرة ثانية فاستأنفت كلامها شارحة له
بص أنا لسه جاية جديد ممكن تسأل زميلتي جايز تعرف.
شعر ببارقة أمل تلوح في الأفق عندما نطقت بهذه العبارة وطلب منها بتهذيب
طب هي موجودة
هزت رأسها قائلة
أيوه لحظها أناديها.
تركت الباب مواربا وغابت للحظات بالداخل لتعود إليه شابة أخرى ترتدي ثوبا منزليا فضفاضا ومزركش الألوان معقود من طرفه ومربوط من خصره جعلها تبدو كما لو كانت قد انتهت لتوها من المساعدة في حرث الأرض الزراعية. توقف عن تحديقه المتعجب حينما سألته ابتهال في فضول
إنت عاوزني يا أستاذ
أجاب عليها بصيغة تساؤلية
ماتعرفيش دكتورة تهاني راحت فين
شملته بنظرة غريبة مطولة كأنما تتحقق بها من شيء ما ثم تمتمت بلا صوت وكأنها تحادث نفسها
إنت بقى الدكتور الحليوة!!
رمقته بهذه النظرة الثاقبة المغلفة بالغيرة والاستنكار وهي لا تزال تتحدث في جنبات نفسها
والله برافو عليكي يا تهاني عرفتي تجيبيه على ملا وشه!!
ما لبث أن طفا الشړ على
صفحة وجهها لتقول في حقد وبلا صوت
بس على مين وربنا لأفسدهالك!
انتبهت لصوت مهاب المتسائل بانزعاج بعدما ضجر من مماطلتها الفارغة
إنتي مش سمعاني ولا حاجة
ضحكت في سخافة وأخبرته بالكذب
لا مؤاخذة أصلها عقبالك اتخطبت.
برقت عيناه في ذهول صاډم وردد بغير تصديق
أفندم!!
أكدت له بثقة تامة وهي تصيغ كذبتها بإتقان لتضمن بشكل تام إفساد أي محاولة للتقارب بينهما من جديد
أه وخطيبها حمش أوي مارضاش يسيبها لواحدها عازبة كتير ده تلاقيه اتجوزها.
كرر في صدمة أكبر وقد ارتفع حاجباه للأعلى
اتجوزت
استندت بذراعها على إطار الباب الخشبي وقالت بلؤم خبيث
أومال مفكر هي سابت السكن ليه
ثم رفعت يدها الأخرى لتسوي شعرها الفاحم وهي تتابع بمكر
عموما أنا في الخدمة لو عاوز حاجة أنا عشرية وعمري ما أقصر مع الناس اللي بحبهم.
حدجها بنظرة احتقارية قبل أن يوليها ظهره منصرفا دون أن ينطق
بشيء فانتصبت في وقفتها مستنكرة هذه المعاملة الازدرائية لتهتف من ورائه في حدة
إيه مافيش شكرا حتى!!
ابتعد عن محيطها والصدمة تكاد تأكل رأسه المشحون استطرد محدثا نفسه في صوت متسائل ومغتاظ وهو يهبط الدرجات ببطء
طب هي عملت كده ليه .!!!
يتبع الفصل العاشر
الفصل العاشر
زواج أم
كان وجهه واجما متكدرا ويظهر عليه الضيق الشديد لم يستوعب كيف لشابة معډومة الخبرة مثلها أن تنجح في التحايل عليه ومراوغته لمجرد التسلية الفارغة وهو سيد من يقوم بهذه الأمور اللئيمة ببراعة وفي النهاية تترك كل شيء وراء ظهرها وتتزوج بآخر دون أن ينال مبتغاه منها خرج من المدخل مستاء للغاية تنطلق من عينيه نظرات الحنق وزاد من إحساسه بهذا الشعور الناقم وجود ممدوح بالسيارة حتما لن يمرره دون سخرية أو استهزاء وهذا ما لا يحبذه مطلقا فأحب ما لديه أن يتغذى بداخله شعوري الغرور والسيطرة لا الانتقاص منهما ما إن رآه الأخير ظاهرا في مرمى بصره حتى فتح الباب وترجل من السيارة ليهتف متسائلا دون استهلال
قابلتها
رفض مهاب الحديث بشيء واتجه إلى موضعه خلف عجلة القيادة فتبعه رفيقه بنظراته الفضولية وهو يعلق باستخفاف
شكلها ادتك الوش الخشب!
ثم أطلق ضحكة ساخرة منه ليستفزه أكثر قبل أن يتابع بنفس الوتيرة وهو يستقر مجاورا له
وإنت الصراحة مش متعود غير على الحاجات الناعمة والطرية
لم يطق تحمل سخافاته فاستطرد بصوت ثقيل وهو يدير المفتاح ليشعل المحرك
تهاني اتجوزت!
حملق فيه مندهشا ليعلق بعدها بنبرته الذاهلة
نعم إنت بتهزر صح
رد في وجوم وهو يخفض الزجاج الملاصق لجانبه
لأ زميلتها قالتلي كده
مط ممدوح فمه متمتما
غريبة!
لم يضف مهاب أي شيء وانطلق بالسيارة بعيدا عن المكان لكن ممدوح واصل التعقيب الهازئ من الأمر برمته فأردف ضاحكا باستمتاع مغيظ
كده احنا الاتنين طلعنا برا اللعبة وهي اللي كسبت يا باشا
نفخ رفيقه بصوت مسموع وحذره في غير صبر
مش عاوز كلام زيادة
مد ممدوح ذراعه ولكزه في جانب كتفه بخفة كأنما يمزح معه واستمر في تعليقه المستفز
حقك تزعل أول مرة تخسر وقصاد مين واحدة مالهاش وزن ولا قيمة عند مهاب الجندي!
فقد آخر ذرات هدوئه فالټفت برأسه تجاهه وزجره في عصبية
كفاية يا ممدوح أنا مش ناقصك
تراجع الأخير عن مواصلة إغاظته وقال ملطفا بابتسامة سخيفة
ماشي تعالى نشوف حتة نغير فيها جو
دون أن ينظر ناحيته أخبره في لهجة حاسمة
أنا هوصلك بيتك وبس
لم يجادله كثيرا فأوجز في الرد وهو يسترخي في المقعد كما لو كان الأمر يروقه بشدة
براحتك
اختطف بين الحين والآخر نظرة عابرة نحوه غير مبال إن كان يراه رائق