أصدقاء بعد المۏت
تلك القصة حقيقية وقعت مع الشيخ عباس بتاوي وفيها من العبر والعظات ما يجعلنا ندرك قيمة الأصدقاء في حياتنا وقد بدأت أحداث تلك القصة حينما تم استدعاء الشيخ في إحدى المحاضرات للحديث عن الغسل والتكفين وقد كلفت من قبل الجامعة بتنظيم المحاضرة فكنت أستقبل الأسئلة وأقرأها لأعرضها على فضيلة الشيخ وبينما أنا أقوم بعملي وصلت إلى يدي ورقة صغيرة كتبت بخط مبهم لم أتمكن من قراءته سوى بصعوبة بالغة وكان بالورقة طلب حيث كتب فيها فضيلة الشيخ هل لديك قصة عن إخوان أو أصدقاء لم ما أفهم ماذا يقصد السائل بذلك خاصة أن موضوع المحاضرة كان الغسل وقررت ألا أعطي الورقة الشيخ بسبب سوء الخط والابتعاد عن فحوى المحاضرة وبعد أن قاربت المحاضرة على الانتهاء أذن المؤذن للصلاة فتوقفت المحاضرة وبعدها عاد الشيخ يشرح للحاضرين الطريقة التي يتم بها غسل وتكفين المېت عمليا ولما قارب الشيخ على الانتهاء أعطيته بعض الأوراق ومن ضمنها تلك الورقة لأنني ظننت أن المحاضرة قد انتهت ولكن بعض الحضور طلبوا من الشيخ الرد على أسئلتهم فعاد يتحدث وهم يستمعون مر السؤال الأول فالثاني فالثالث حتى استوقفني ذلك السؤال المبهم بتلك الورقة توقعت أن الشيخ لن يجيب لأن لا علاقة للسؤال بموضوع المحاضرة ولكن الشيخ الجليل صمت لحظة وبصوت ملؤه التأثر بدأ يتحدث وقال في يوم من الأيام جاءتني جنازة لشاب لم يبلغ الأربعين من عمره وكان معه كثير من الشباب أقاربه يلتفون حوله ويودعونه بأنات ودموع ولكن لفت انتباهي شاب في مثل سنه يبكي بحړقة أخذ يشاركني الغسل وهو يبكي بغزارة ونشيج بكاءه لا ينقطع كنت أصبره كل لحظة وأذكره بعظيم الأجر والثواب في الصبر على المصائب ولكنه كان بين البكاء وترديد كلمة إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله كان بكاؤه يزداد وكنت أفقد معه تركيزي فقلت له إن الله أرحم بأخيك منك وعليك بالصبر يا رجل فالټفت نحوي بدموعه المتدفقة وقال لي إنه ليس أخي اندهشت وألجمتني المفاجأة مع كل هذا البكاء والنحيب وليس أخيك فقال الشاب نعم ليس أخي ولكنه والله كان أغلى وأعز علي من أخي لقد كانت صديق طفولتي وزميل دراستي كنا نجلس معا بصف واحد ونلعب في ساحة واحدة كبرنا وكبرت بيننا العلاقة أصبحنا لا نفترق إلا لوقت قصير ثم نجتمع من جديد تخرجنا سويا من المرحلة الثانوية وبعدها التحقنا بنفس الجامعة حتى العمل يا شيخ التحقنا بعمل واحد كما تزوجنا أختين وسكنا في شقتين متقابلتين رزقني الله ولدا وبنتا ورزقه أيضا ببنت وولد تشاركنا أفراحنا وأحزاننا معا اشتركنا سويا في المأكل والمشرب حتى السيارة يا شيخ تشاركناها سويا كنا نذهب معا ونعود معا وبعدها
الشاب بالبكاء ولم يستطيع مقاومة مشاعره وقال والدمع يغرق وجنتيه يا شيخ هل يوجد في الدنيا أحد مثلنافتذكرت أخي البعيد وقلت لا والله لا يوجد من هو مثلكما وأخذت أذكر الله مسبحا وأبكي بحړقة رثاء لحاله وبعد أن انتهيت من الغسل أقبل الشاب يقبل صديقة وهو يكاد ينشق من البكاء حتى ظننت في لحظة ما أنه سيرحل معه وتحت ضغط أمسكه الحاضرون وأخرجوه كي نصلي على المېت وبعد الصلاة اتجهنا مباشرة إلى المقپرة وكان أقارب الشاب يحيطون به ويصبرونه فوالله كأني أمشي في جنازتين جنازة محمولة على الأكتاف وجنازة تدب الأرض خلفها دببيبا وعند القپر هدأ الشاب قليلا وأخذ يدعو لصديقه المتوفى وبعد مراسم الډفن انصرف الجميع فعدت إلى منزلي متأثرا وبي من الحزن ما يثقل كاهلي وفي اليوم التالي وبعد صلاة العصر حضرت جنازة لشاب أظن أني أعرفه فوجهه لم يكن غريبا علي ولكن أين شاهدته لم أتذكر فنظرت إلى وجه الأب المكلوم وأدركت أني أعرفه هو الأخر نظر إلي والدمع يتقاطر من عينيه وهو يقول يا شيخ لقد كان بالأمس مع صديقه كان يناولك المقص والكفن بالأمس كان يقلب صديقه ويمسك بكفيه وهو الآن مثله بالأمس كان صديق طفولته واليوم نبكيه ثم انخرط الرجل في بكاء رهيب زالت الغشاوة من على عيني تذكرته إنه نفس الشاب الذي كان معي يبكي صديقه بالأمس سألت والده بصوت مندهش كيف ماټ قال عاد إلى بيته بعد الچنازة وعرضت عليه زوجته الطعام فلم يستطيع تناوله وقرر أن ينام وعند صلاة العصر دخلت لتوقظه فوجدته وهنا صمت الأب وأخذ يمسح سيل الدموع من على خديه وأكمل رحمه الله لم يستطيع أن يتحمل الصدمة في ۏفاة أعز أصدقائه وظل يردد إنا لله وإنا إليه راجعون إنا لله وإنا إليه راجعون فقلت له بصوت متثاقل وحزن دفين اصبر واحتسب يا شيخ سأدعو الله أن يجمعه مع صديقه في الجنة يوم ينادي المولى عزوجل أين المتحابين في اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي وبعدها قمت بتغسيل الشاب وتكفينه ثم صلينا عليه المغرب وسرنا بالچنازة صوب القپر وهنا كانت المفاجأة فقد كان القپر المجاور لصديقه فارغا فقلت لنفسي هذا أمر غريب من الأمس حتى الآن لم تأت جنازة واحدة لم يحدث هذا أمامي ولم أره من قبل فأنزلناه بهدوء في القپر ووضعت يدي على الجدار الذي كان يفصل بينه وبين صاحبه وأنا أقول يا لها من قصة عجيبة جمعتهما الحياة صغارا وكبارا والآن تجمعهما القپور أمواتا وبعدها خرجت من القپر وأنا أدعو لهما بالرحمة والمغفرة ومسحت دمعة جرت على خدي لم أستطع مغالبتها ثم انطلقت أعزي أقاربهما وهنا انتهى الشيخ من حديثه وأنا
سمعت وقلت في نفسي سبحان الله وحمدت الله على أن تلك الورقة وصلت ليد الشيخ وسمعت منه بفضلها تلك القصة العجيبة التي والله لو حدثني بها أحد من أصدقائي لظننت أنه يبالغ ولكني عرفت قيمة الصداقة وأثر الصديق فأخذت أدعو لهما بالرحمة والمغفرة راجيا من الله عزوجل أن يحسن ختامي وختام المسلمين جميعا