الأربعاء 04 ديسمبر 2024

أصدقاء بعد المۏت

موقع أيام نيوز

تلك القصة حقيقية وقعت مع الشيخ عباس بتاوي وفيها من العبر والعظات ما يجعلنا ندرك قيمة الأصدقاء في حياتنا وقد بدأت أحداث تلك القصة حينما تم استدعاء الشيخ في إحدى المحاضرات للحديث عن الغسل والتكفين وقد كلفت من قبل الجامعة بتنظيم المحاضرة فكنت أستقبل الأسئلة وأقرأها لأعرضها على فضيلة الشيخ وبينما أنا أقوم بعملي وصلت إلى يدي ورقة صغيرة كتبت بخط مبهم لم أتمكن من قراءته سوى بصعوبة بالغة وكان بالورقة طلب حيث كتب فيها فضيلة الشيخ هل لديك قصة عن إخوان أو أصدقاء لم ما أفهم ماذا يقصد السائل بذلك خاصة أن موضوع المحاضرة كان الغسل وقررت ألا أعطي الورقة الشيخ بسبب سوء الخط والابتعاد عن فحوى المحاضرة وبعد أن قاربت المحاضرة على الانتهاء أذن المؤذن للصلاة فتوقفت المحاضرة وبعدها عاد الشيخ يشرح للحاضرين الطريقة التي يتم بها غسل وتكفين المېت عمليا ولما قارب الشيخ على الانتهاء أعطيته بعض الأوراق ومن ضمنها تلك الورقة لأنني ظننت أن المحاضرة قد انتهت ولكن بعض الحضور طلبوا من الشيخ الرد على أسئلتهم فعاد يتحدث وهم يستمعون مر السؤال الأول فالثاني فالثالث حتى استوقفني ذلك السؤال المبهم بتلك الورقة توقعت أن الشيخ لن يجيب لأن لا علاقة للسؤال بموضوع المحاضرة ولكن الشيخ الجليل صمت لحظة وبصوت ملؤه التأثر بدأ يتحدث وقال في يوم من الأيام جاءتني جنازة لشاب لم يبلغ الأربعين من عمره وكان معه كثير من الشباب أقاربه يلتفون حوله ويودعونه بأنات ودموع ولكن لفت انتباهي شاب في مثل سنه يبكي بحړقة أخذ يشاركني الغسل وهو يبكي بغزارة ونشيج بكاءه لا ينقطع كنت أصبره كل لحظة وأذكره بعظيم الأجر والثواب في الصبر على المصائب ولكنه كان بين البكاء وترديد كلمة إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله كان بكاؤه يزداد وكنت أفقد معه تركيزي فقلت له إن الله أرحم بأخيك منك وعليك بالصبر يا رجل فالټفت نحوي بدموعه المتدفقة وقال لي إنه ليس أخي اندهشت وألجمتني المفاجأة مع كل هذا البكاء والنحيب وليس أخيك فقال الشاب نعم ليس أخي ولكنه والله كان أغلى وأعز علي من أخي لقد كانت صديق طفولتي وزميل دراستي كنا نجلس معا بصف واحد ونلعب في ساحة واحدة كبرنا وكبرت بيننا العلاقة أصبحنا لا نفترق إلا لوقت قصير ثم نجتمع من جديد تخرجنا سويا من المرحلة الثانوية وبعدها التحقنا بنفس الجامعة حتى العمل يا شيخ التحقنا بعمل واحد كما تزوجنا أختين وسكنا في شقتين متقابلتين رزقني الله ولدا وبنتا ورزقه أيضا ببنت وولد تشاركنا أفراحنا وأحزاننا معا اشتركنا سويا في المأكل والمشرب حتى السيارة يا شيخ تشاركناها سويا كنا نذهب معا ونعود معا وبعدها

أجهش
 الشاب بالبكاء ولم يستطيع مقاومة مشاعره وقال والدمع يغرق وجنتيه يا شيخ هل يوجد في الدنيا أحد مثلنافتذكرت أخي البعيد وقلت لا والله لا يوجد من هو مثلكما وأخذت أذكر الله مسبحا وأبكي بحړقة رثاء لحاله وبعد أن انتهيت من الغسل أقبل الشاب يقبل صديقة وهو يكاد ينشق من البكاء حتى ظننت في لحظة ما أنه سيرحل معه وتحت ضغط أمسكه الحاضرون وأخرجوه كي نصلي على المېت وبعد الصلاة اتجهنا مباشرة إلى المقپرة وكان أقارب الشاب يحيطون به ويصبرونه فوالله كأني أمشي في جنازتين جنازة محمولة على الأكتاف وجنازة تدب الأرض خلفها دببيبا وعند القپر هدأ الشاب قليلا وأخذ يدعو لصديقه المتوفى وبعد مراسم الډفن انصرف الجميع فعدت إلى منزلي متأثرا وبي من الحزن ما يثقل كاهلي وفي اليوم التالي وبعد صلاة العصر حضرت جنازة لشاب أظن أني أعرفه فوجهه لم يكن غريبا علي ولكن أين شاهدته لم أتذكر فنظرت إلى وجه الأب المكلوم وأدركت أني أعرفه هو الأخر نظر إلي والدمع يتقاطر من عينيه وهو يقول يا شيخ لقد كان بالأمس مع صديقه كان يناولك المقص والكفن بالأمس كان يقلب صديقه ويمسك بكفيه وهو الآن مثله بالأمس كان صديق طفولته واليوم نبكيه ثم انخرط الرجل في بكاء رهيب زالت الغشاوة من على عيني تذكرته إنه نفس الشاب الذي كان معي يبكي صديقه بالأمس سألت والده بصوت مندهش كيف ماټ قال عاد إلى بيته بعد الچنازة وعرضت عليه زوجته الطعام فلم يستطيع تناوله وقرر أن ينام وعند صلاة العصر دخلت لتوقظه فوجدته وهنا صمت الأب وأخذ يمسح سيل الدموع من على خديه وأكمل رحمه الله لم يستطيع أن يتحمل الصدمة في ۏفاة أعز أصدقائه وظل يردد إنا لله وإنا إليه راجعون إنا لله وإنا إليه راجعون فقلت له بصوت متثاقل وحزن دفين اصبر واحتسب يا شيخ سأدعو الله أن يجمعه مع صديقه في الجنة يوم ينادي المولى عزوجل أين المتحابين في اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي وبعدها قمت بتغسيل الشاب وتكفينه ثم صلينا عليه المغرب وسرنا بالچنازة صوب القپر وهنا كانت المفاجأة فقد كان القپر المجاور لصديقه فارغا فقلت لنفسي هذا أمر غريب من الأمس حتى الآن لم تأت جنازة واحدة لم يحدث هذا أمامي ولم أره من قبل فأنزلناه بهدوء في القپر ووضعت يدي على الجدار الذي كان يفصل بينه وبين صاحبه وأنا أقول يا لها من قصة عجيبة جمعتهما الحياة صغارا وكبارا والآن تجمعهما القپور أمواتا وبعدها خرجت من القپر وأنا أدعو لهما بالرحمة والمغفرة ومسحت دمعة جرت على خدي لم أستطع مغالبتها ثم انطلقت أعزي أقاربهما وهنا انتهى الشيخ من حديثه وأنا
مندهش مما
سمعت وقلت في نفسي سبحان الله وحمدت الله على أن تلك الورقة وصلت ليد الشيخ وسمعت منه بفضلها تلك القصة العجيبة التي والله لو حدثني بها أحد من أصدقائي لظننت أنه يبالغ ولكني عرفت قيمة الصداقة وأثر الصديق فأخذت أدعو لهما بالرحمة والمغفرة راجيا من الله عزوجل أن يحسن ختامي وختام المسلمين جميعا